إسرائيل تتوقع تغيرات في الأولويات الأميركية عــام 2009 وتعــد نفسـهــا لكــل الاحتمــالات

يرى الباحثون في أحد مراكز الدراسات الاستراتيجية في إسرائيل أن الولايات المتحدة ستضطر حتى ربيع عام 2009 إلى التدقيق في مصالحها وفي جدول أولوياتها في المنطقة والعالم، ويستند هؤلاء إلى أبحاث قاموا بإعدادها خلال السنوات الثلاث الماضية وبعد دراسة التطورات التي شهدتها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان والعالم، وأثرها في مكانة وقدرة واشنطن خلال رئاسة بوش.


ويدعو هؤلاء قادة إسرائيل إلى الاستعداد سلفاً لنوع من العلاقة الأميركية تجاه إسرائيل لن تكون أبداً بحرارة وسخاء العلاقة التي سادت في عهد الرئيس بوش، والتي لم يحدث مثيل لها في الماضي بين واشنطن وتل أبيب. ويقترح الباحثون الإسرائيليون على قادة إسرائيل بسبب الاختلاف الذي سيطرأ على العلاقات الأميركية- الإسرائيلية أن تقوم دولة إسرائيل بتعزيز علاقاتها الخارجية مع مختلف القوى العالمية الأخرى وبطريقة جديدة.
وفي الدراسة التي نشرها معهد «رؤية» الإسرائيلي بالعبرية لا يقلل الباحثون من مدى أهمية وقيمة «مذكرة التفاهم الاستراتيجية» الجديدة التي وقعها بوش لمصلحة إسرائيل، وقدم فيها زيادة بقيمة 750 مليون دولار سنوياً على مبلغ المساعدات العسكرية السنوية التي تحصل عليها إسرائيل عادة (2.3) مليار دولار ولمدة عشر سنوات مقبلة بحيث تحصل إسرائيل على 30 ملياراً خلالها.
لكن ما تحتاجه إسرائيل برأيهم هو أكثر من القيمة التي تحملها المذكرة الأميركية، فإسرائيل تعتمد في وجودها خلال أربعين سنة على موافقة واشنطن على سياستها، وقدرة واشنطن على تغطية ودعم السياسة الإسرائيلية، وهذه القدرة من المتوقع أن تتأثر سلباً في السنوات المقبلة بدءاً من ربيع عام 2009 ولا توفر للإدارة الأميركية المقبلة اتخاذ السياسة نفسها التي اتبعها بوش تجاه إسرائيل.
وتقول الدراسة الإسرائيلية: «إن العوامل التي ستدفع واشنطن إلى الشعور بعدم القدرة على الموافقة على جميع أوجه ومواقف السياسة الإسرائيلية ناجمة عن الوضع الأميركي الذي لم يؤد إلى الانتصار في العراق ولا إلى الهزيمة الحاسمة في الوقت نفسه..
كما أن العجز الأميركي الواضح في عدم منع إيران من تطوير التكنولوجيا النووية وعدم الحيلولة دون تحولها إلى قوة إقليمية مهمة في المنطقة وذات جدول عمل معاد للمصالح الأميركية يشكل هو الآخر مصدر قلق إسرائيلي، لأن ذلك من شأنه فرض استحقاقات إسرائيلية لا ترغب إسرائيل بدفعها في المنطقة».
وترى الدراسة أن الولايات المتحدة أصبحت تواجه ورطة في عدد من الحروب والصراعات السياسية في أفغانستان وفي العراق وفي مواجهة سورية وقوى المعارضة اللبنانية وفي الصراع البارد مع روسيا والصين والهند على المسرح الدولي وفي جميع هذه الساحات من الصعب الاعتقاد بأن إدارة بوش حققت نصراً أو جزءاً مهماً من أهدافها..».
وتشير الدراسة بالمقابل إلى تصاعد ونهوض نفوذ القوى الجديدة العالمية بقيادة روسيا والصين وتهديدها للمصالح الأميركية في الساحة العالمية وتضيف: «ولا شك أن هذا الواقع سيدفع واشنطن إلى إعادة التدقيق في مصالحها وفي جدول أولوياتها في المنطقة مع بداية عام 2009 حين يتولى رئيس أميركي دفة القيادة بدلاً من بوش ويبدأ بالعمل من أجل إنقاذ المصالح الأميركية من القوى الصاعدة التي تتربص بها..
وإسرائيل التي لن تتغير سياستها تجاه مواضيع جدول عملها في الأراضي المحتلة والمنطقة ستجد أن السياسة الأميركية مجبرة بسبب تلك التطورات على انتهاج تكتيك جديد سيؤثر سلباً في جدول العمل الإسرائيلي وأولوياته المختلفة عن أولويات الإدارة الأميركية الجديدة».
وتقدر الدراسة بأن استعانة إسرائيل بمنظمات الضغط اليهودية الأميركية وفي مقدمتها «آيباك» (لجنة العلاقات العامة الإسرائيلية- الأميركية) لن تقدم الشيء الكثير لأن هذه المنظمة لا تزال تتعرض منذ سنوات قليلة لحملة أمريكية إعلامية وسياسية من خارج إدارة بوش بسبب فضيحة تجسس اثنين من كبار المسؤولين فيها لمصلحة إسرائيل.. كما أن جميع المعارضين الأميركيين لحرب بوش في العراق سيتجهون إلى شن حملة على إسرائيل و«آيباك» واتهامهما بتوريط بوش في العراق وسوف يعتبرون إسرائيل مسؤولة عن الفشل الأميركي في العراق.
وتعترف الدراسة بأن أي عمل عسكري أميركي ضد إيران من أجل منعها من امتلاك التكنولوجيا النووية العسكرية سيعد عند الكثيرين من الأميركيين عملاً لمصلحة إسرائيل وحدها وليس لمصلحة الولايات المتحدة.
ويستشهد الباحثون الإسرائيليون بالتوصيات التي قدمتها لجنة فينوغراد المكلفة بالتحقيق في أسباب الهزيمة الإسرائيلية في حرب تموز 2006 التي دعت الحكومة إلى إعادة النظر في سياستها الخارجية على المسرح الدولي وتفعيل العمل الخارجي بين الدول الكبرى الأخرى في العالم، وخصوصاً القوى الصاعدة الجديدة.. ودعا المسؤولون في مركز (رؤية) إلى زيادة ميزانية وزارة الخارجية وعدد الدبلوماسيين فيها وتشكيل لجان دبلوماسية تتولى وضع خطط عمل بهدف تعزيز الصلات مع روسيا، والصين والهند بصفتها قوى صاعدة تنافس واشنطن على الساحة العالمية.. كما يستنتج المحللون السياسيون في إسرائيل بأن على الحكومة عدم «النوم على حرير» مذكرة بالدعم الأميركي التي وقعها بوش بقيمة 30 مليار دولار لمدة عشر سنوات تبدأ من عام 2008 لأن قواعد اللعبة الأميركية وأولوياتها سيطرأ عليها تغير ملموس في عام 2009 بهدف حماية المصالح الأميركية التي تعرضت لضربة بسبب سياسة الرئيس بوش وعدم قدرته على تحقيق الأهداف التي أعلنها منذ 11 أيلول 2001 وغزو العراق عام 2003.
ويبدو أن هذه الافتراضات الإسرائيلية المسبقة واستشراف الباحثين الإسرائيليين لما يمكن أن يطرأ على العلاقات الأميركية- الإسرائيلية لن تتأكد بطبيعتها واستنتاجاتها إلا خلال هذه الأشهر المقبلة أو السنة المقبلة لأن جدول عمل بوش لم يسقط منه بعد موضوع شن عمليات عسكرية أو شبه حرب ضد إيران وأطراف أخرى من قوى الممانعة.
بل إن جدول عمل إسرائيل نفسه لم يسقط منه بعد موضوع الدور الوظيفي في أي حرب أميركية أخرى في المنطقة.